60710907_10157057845415446_1707793741235879936_o

أخذ يرتدي ثيابه ويمسح بلله وعرقه وهو يقول: ما سبب هذا الأثر على يدك، نظرت إلى يدها وبامتعاض شديد أجابت: تشاجرت مع زبون حقير هذا المساء، قرر أن يسرقني وحاولت منعه ولكنه هرب وقد حاول سرقة ما كان في حقيبتي. وباهتمام مصطنع سألها: ما الذي دعاك لعمل كهذا. أدخلت النقود في حقيبتها وهي تقول: من أجل هذا طبعًا! عقب قائلًا: ألم تجدي عملًا شريفًا؟ فأجابته: كلا، أعمل عملًا شريفًا كما تسميه، ولكنه لا يكفي حاجتي، فأنا مصففة شعر بالنهار وبالكاد يكفيني أن أدفع اجار الشقة. اخرج محفظة من بدلته بعد أن لف جزءًا من ربطة عنقه، ودون أن ينظر للمبلغ الذي سحبه منها، ألقى به أمامها بينما تهم هي بارتداء ثيابها وقد أردف يقول: لقد اشفقت عليك وعلى حالك، تستحقين هذه الزيادة في أجرتك. نظرت إلى الورقة النقدية التي استقرت بقرب قدميها الحافيتين، كانت من فئة العشرين دولارً، ارتد بصرها نحوه وقالت: شكرًا، لا آخذ صدقة من أحد.

انفلتت من بين أسنانه الصفراء ضحكة مستهزئة، ثم اخرج مزيدا من النقود وألقاها ثم قال: هذه لأنك جعلتني أضحك. وبانفعال شديد ركلت النقود وهي تقول: خذ نقودك، أنت المثير للشفقة، تظن أنك تستطيع أن تشتري كل شيء بالمال، ومثير للشفقة لأنك تتخفى من الناس لتأتي إلى هنا كالجرذان، تفتش عن سلطتك التي أضعتها ورجولتك التي سلبها العمر منك، بالكاد شعرت بك.

ألم به الغضب فأقترب منها مسرعا وامسك بعنقها وهو يقول: انظري إلى نفسك جيدًا في المرآة، لا أحد يرغب بك للأبد، أنتِ مجرد نزوة عابرة، لم تعيشي حياة طبيعية، انظري إلى الحظيرة التي تسكنينها، ظننت حين أرسلت لي صورًا لك أنك التقطتها في مكب نفايات، ولكن يبدو أن هذا هو سكنك، لم تتزوجي وقد تجاوزت الثلاثين، ولن تحلمي بذلك، لن تصبحي أمًا وسيلفظك المجتمع كأي شيء حقير.

نفضت يده وهي تصرخ ابتعد عني، وأكملت بصوت مرتبك وبنبرة يشوبها الغضب والخوف: أنت وأمثالك من جعل العالم يطأنا بكلتا قدميه، واستجمعت صوتها وابتلعت ريقها وأكملت: أوجدتم الفقر واختلقتم الفقراء، جعلتم من الصعب علينا نحن الضعفاء أن نعيش حياة طبيعية، بات علي كل يوم أن أواجه قذرًا مثلك ما كان ليحلم بأن تمسك بيده فتاة لولا حاجتها لما يملك من مال، أنت وأمثالك تأتون إلينا بحثًا عن شيء صادق، فمن الخاتم البراق الذي ترتديه يمكنني أن أفهم أنك حديث العهد بزوجة جديدة، وتخشى في قرارة نفسك أن هذه الزوجة لم تقبل بك إلا من أجل مالك، ونحن الحقيقة الوحيدة التي تثق بإلمامك بها، فنحن نهبك خدماتنا من أجل المال، ونعترف بذلك، ولهذا تلجأ إلينا. ثم انظر من يتحدث عن العمل الشريف، على أقل تقدير فإنني أعمل بجد وأحفظ الدين وألزم وعودي وأعطي المحتاجين ولا أغش أحدًا، بل وأدعو الرب أن يرزقني كفاية هذه النتانة، نتانة أن أقابل شخصًا مثلك، يستغل الضعفاء، ويغنى على حساب شقائهم.

وقبل أن تكمل ثرثرتها، كان قد امسك عنقها وأخذ يخنقها بغضب جم، وهو يقول: اصمتي أيتها العاهرة وأعلمي قدرك ومع من تتحدثين. وبينما هي تحاول التخلص منه والاستغاثة، لم يستطع أن يواصل خنقها فأفلتها، لتفقد هي توازنها ويرتطم رأسها بحافة السرير، دنى منها وركلها وهو يقول: انهضي، وحين لم تحرك ساكنا، شعر بالقلق، فدنى منها يهز جسدها العاري، ليتحسس نبضها، كان قد توقف كل شيء، وبدأ القرمزي يسيل من بين خصلات شعرها الليلي، نهض مرتعبا وشد ربطة عنقها ودلف مسرعًا في ممرات المبنى يبحث عن مخرجها.

وصل إلى المخرج، اسرع الخطى بين الأزقة والسماء تمطر، القرمزي يرسم جناحين لتحلق بهما روحها، هاتفان يتبادلان اللحن، في شاشة أحدهما “زوجتي وفاء” وفي الأخرى “الأميرة الصغيرة أختي” بينم يلقي الليل بعتمته على المشهد

عطش لزخاتكم